العربي نيوز - عدن:
صعقت فاجعة جديدة ملايين المواطنين المقهورين بتداعيات الحرب المتواصلة وانعكاساتها المريرة على احوالهم المعيشية والاقتصادية والخدمية، ونهشت بالكمد قلوبهم لتهديدها ما تبقى لهم من فرص حياة في ظل غلاء المعيشة بالعاصمة المؤقتة عدن.
وتفاجأ المواطنون في العاصمة المؤقتة عدن وعدد من مدن المحافظات الجنوبية، بارتفاع فاحش في اسعار الاسماك، وتجاوز سعر كيلو السمك الثمد 18000 ريال، رغم اطلالتها على مياه اقليمية غنية بالاسماك وفي موسم الصيف تحديدا.
قوبل ارتفاع سعر سمك الثمد، الوجبة الرئيسة لملايين المواطنين ذوي الدخل المحدود، بموجة سخط شعبي واسعة، وازدحام المواطنين في طوابير على محلات بيع اسماك "البروم" المثلجة، وسمك "الباغة" لانخفاض اسعارها مقارنة مع "الثمد".
وضجت منصات التواصل الاجتماعي باستنكار ناشطي عدن ضم الاسماك لقائمة غير المتاح للمواطنين بجانب اللحوم الحمراء، وقال رئيس تحرير "عدن الغد" الاعلامي فتحي بن لزرق: "فوجئت بأن الكيلو السمك الثمد ب18الف ريال وعاده متهالك جدا".
مضيفا: "سألت عن كيلو اللحم طلع 15الف. وين السمك؟ قالوا يصدروه الخليج!. كيف يصدروه والناس تأكل أيش؟. عادي ممكن يشتروا لحم،اللحم ارخص". وأردف: "مشيت واشتريت علبة تونة وربطة ملوخية. بلاد بلا رجال وشعب مدعوس ولا كلمة".
شاهد .. ارتفاع فاجع لاسعار الاسماك في عدن
من جانبهم، ارجع اقتصاديون وعاملون في اصطياد وبيع الاسماك، ارتفاع اسعار الصيد إلى "تصدير الانتاج اليومي من الاسماك الى السعودية والامارات". مشيرين إلى "سيطرة شركات سعودية واماراتية على 80% من اصطياد الاسماك بمياه اليمن".
ويأتي ارتفاع اسعار الاسماك في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية، في ظل تفاقم معاناة المواطنين جراء استمرار تدهور الخدمات وفي مقدمها الكهرباء والمياه، وانهيار قيمة الريال وتخطيه 1900 ريال للدولار و500 ريال للريال السعودي، وغلاء المعيشة.
تسبب استمرار تدهور قيمة الريال اليمني امام العملات الاجنبية، في ارتفاع فاحش لأسعار السلع الغذائية والمواد التموينية والمشتقات النفطية والخدمات العامة، قدرته تقارير البنك الدولي بنسبة 300%. ما جعل نحو 50% من سكان مناطق سيطرة الحكومة اليمنية عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الاساسية".
وتتصاعد، بالتوازي، تحذيرات الامم المتحدة وبعثات منظماتها العاملة في اليمن من "تداعيات كارثية لاتساع الانقسام المالي والمصرفي وخسارة الريال 38% من قيمته وانعكاساتها على الامن الغذائي لعشرات الملايين من اليمنيين باتوا تحت خط الفقر ويعتمدون المساعدات الاغاثية للبقاء احياء، وباتوا مهددين بالمجاعة".
تفاصيل: إعلان لمجلس الامن بشأن عملة اليمن
جاء هذا التحذير، امتدادا لتحذير اطلقته الامم المتحدة في وقت سابق، مما سمته “عواقب كارثية محتملة” في اليمن "بسبب وجود سلطتين نقديتين متنافستين في اصدار توجيهات متنعنة" و"تهديد الحكومة بقطع وصول البنوك في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لشبكة سويفت لنظام التراسل المالي الدولي".مطالبة بـ "وقف التصعيد المصرفي والمالي فورا".
شاهد .. مجلس الامن يطلع على عواقب حرب العملة
ويترافق هذا، مع انباء صادمة وغير سارة بالمرة، بشأن عجز الحكومة عن صرف رواتب الموظفين في عدن والمناطق المحررة، خلال الاشهر المقبلة، بفعل ما وصفته مصادر حكومية "ازمة مالية حادة". وهو ما أكده رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في اجتماع موسع، الاربعاء (8 مايو) .
شاهد .. العليمي يتحدث عن ازمة دفع الرواتب
برزت الازمة مع شكوى قطاع واسع من قرابة 700 ألف موظف وموظفة في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة، تأخر صرف رواتب ديسمبر يناير فبراير، وعدم انتظام مواعيد صرف مرتباتهم، بينما يشكو منتسبو قوات الامن والجيش من تراكم المرتبات المتأخرة،
تفاصيل: توجيه رئاسي عاجل لابن مبارك بشأن الرواتب
وأدت ازمة تأخر صرف رواتب الموفظين في المناطق المحررة، الى تدخل السعودية، مطلع فبراير الفائت، عبر "إطلاق الدفعة الثانية من منحة دعم الموازنة العامة للدولة والبالغة 250 مليون دولار أمريكي". حسب ما اعلنه مسؤول بالبنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن.
تفاصيل: انفراج كبير بشأن رواتب الموظفين (اعلان)
كما اعلنت السعودية، منتصف يونيو الفائت، تقديم دعم مالي كبير، لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية المعترف بها، لحل ازمة دفع رواتب الموظفين وانهيار العملة اليمنية المتسارع وتجاوزه سقف 1800 ريال يمني مقابل الدولار، وتبعات ذلك على اسعار السلع والخدمات.
تفاصيل: السعودية تدعم البنك المركزي بهذا المبلغ
تتجاوز تداعيات انهيار قيمة الريال اليمني وتأخر صرف رواتب الموظفين، ارتفاع اسعار السلع والمشتقات النفطية، إلى تفاقم تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية وانقطاع الكهرباء في ظل الصيف اللاهب، وتتصاعد مظاهر حالة من الفوضى في عدن بعد انتشار كبير للحبوب المخدرة والحشيش، وانتشار النازحين الأفارقة.
ويرى مراقبون للشأن اليمني، أن تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية "سابق لتوقف تصدير النفط جراء استهداف الحوثيين موانئ التصدير"، مرجعين التدهور إلى "الفساد وحماية شركاء السلطة للمفسدين". متهمين التحالف ومجلس القيادة الرئاسي والحكومة والمجلس الانتقالي بأنهم "شركاء في حرب الخدمات واخضاع المواطنين لهذا الفساد".
من جانبهم، يُرجع سياسيون واقتصاديون تفاقم تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية في عدن والمحافظات الجنوبية الى "اتساع الاختلالات في المالية العامة للحكومة وصرف رواتب كبار موظفيها بالعملة الصعبة بجانب تبادل اتهامات الفساد بين شركاء الحكومة".
ويتهم "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، الحكومة التي يستحوذ نصف مقاعدها بـ "صفقات فساد تتجاوز عدم ايداع ايرادات الدولة في البنك المركزي اليمني إلى نهب المساعدات والمنح المالية وانشاء شركات استثمارية خاصة خارج البلاد، بجانب المضاربة على العملة".
في المقابل، تتهم الحكومة "الانتقالي" بأنه "يعيق عمل الحكومة بإصراره على استمرار انتشار ونفوذ فصائل مليشياته المتعددة" منذ انقلابه المسلح على الشرعية اليمنية في اغسطس 2019م، بتمويل ودعم عسكري مباشر من الامارات ومشاركة طيرانها الحربي ضد الجيش الوطني.
مؤكدة أن "استمرار تمرد ‘الانتقالي الجنوبي‘ على الشرعية واستحواذه على قدر كبير من ايرادات الدولة، في عدن وعدد من مدن جنوبي البلاد، فاقم تدهور الاوضاع الاقتصادية والادارية والخدمية وانهيار قيمة العملة المحلية وارتفاع اسعار السلع والخدمات العامة والمشتقات النفطية".
وتبنت الامارات في 2017م إنشاء "المجلس الانتقالي" ورئيسه عيدروس الزُبيدي، وتمويل تجنيد وتسليح ما يقارب 50 لواء من المليشيات المسلحة، ليغدو الذراع السياسي والعسكري لها في جنوب البلاد، وأداة فرض انفصال جنوب اليمن، بدولة تابعة لأبوظبي وأجندة اطماعها في اليمن.
يشار إلى أن الامارات تراهن على "المجلس الانتقالي الجنوبي" وتمويلها تجنيد وتسليح الوية مليشياته المسلحة، في تمرير أجندة اطماعها في موقع اليمن وسواحله وجزره وثرواته، ضمن سعيها لفرض نفوذها السياسي والاقتصادي على دول المنطقة، عبر هيمنتها على خطوط الملاحة الدولية.