العربي نيوز - عدن:
طرحت على طاولة مجلس الامن الدولي، لأول مرة قضية العملة اليمنية والحرب الاقتصادية المتصاعدة بين البنك المركزي اليمني في كل من العاصمة صنعاء والعاصمة المؤقتة عدن، وتفاقم عواقب الانقسام المالي والمصرفي على حياة اليمنيين، مطالبا بالتوقف فورا عن التصعيد.
جاء هذا في تقرير لهيئة الامم المتحدة، صادر عن منظمتها للأغذية والزراعة (الفاو)، بشأن الآثار المحتملة لأزمة القطاعين المصرفي والمالي المتصاعدة في اليمن على تعريض الاسرة اليمنية في عموم البلاد لانعدام الأمن الغذائي وخطر المجاعة.
موضحا أن التوجيهات المختلفة الصادرة عن البنكين المركزيين في عدن وصنعاء، والإجراءات المتبادلة بينهما بإدراج بنوك على القائمة السوداء "أدت إلى اضطرابات ملحوظة في القطاعين المالي والمصرفي ونقص الدولارات من بين أمور أخرى".
وقال التقرير، الاحد (23 يونيو): إن الأزمة المتصاعدة في القطاع المصرفي والمالي في اليمن والتي بلغت ذروتها في مارس الماضي، أدت إلى تسارع خسارة العملة الوطنية لقيمتها بنسبة 38 في المائة خلال العام الماضي وحتى يونيو الجاري".
مضيفا: "في العام الماضي وحتى يونيو 2024، خسر الريال اليمني في مناطق الحكومة اليمنية قيمته مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 38 %، أي ما يعادل انخفاض شهري متوسط قدره 3 %". في اشارة لتجاوز سعر الصرف 1850 ريالا للدولار.
وتوقع التقرير أن "تنخفض قيمة الريال اليمني بشكل أكبر بمعدل أسرع بكثير في مناطق الحكومة اليمنية، على الأقل بنسبة 5 % شهرياً خلال الأشهر الأربعة المقبلة". مُعتبرا ان مسار الريال اليمني بمناطق الحوثيين "غير مؤكد على المدى القصير".
منوها إلى أن "تكلفة سلة الغذاء الأساسية من المتوقع أن تصل إلى ما بين 87 و107 دولار أمريكي في أغسطس 2024، بزيادة لا تقل عن 6% في مناطق الحكومة اليمنية، مما يزيد من تكلفة المعيشة على الأسر اليمنية" في معظم انحاء البلاد.
ورأى التقرير الاممي أن "أسعار السلع في مناطق سلطات الحوثيين تظل غير متوقعة بسبب ضوابط الأسعار غير المستجيبة اقتصاديًا، والإجراءات المفروضة فيما يتعلق بسعر الصرف". محذرا في الوقت نفسه من "مخاطر التضخم المتصاعدة".
لكن التقرير توقع أن "يتباطأ تدفق الواردات التجارية بسبب عدم قدرة التجار والمستوردين على الوصول إلى الدولار وتحويل الأموال وتأمين خطوط الائتمان، إلى جانب انخفاض قيمة العملة، مما سيؤثر بشكل غير متناسب على الموانئ الجنوبية".
وحذر من أن تؤدي "أزمة القطاع المالي إلى زيادة عرقلة الاقتصاد اليمني وسط تأخر التوصل إلى تسوية سلمية". وقال: "من المحتمل أن تؤثر الأزمة المتفاقمة سلبًا على الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وزيادة معدلات البطالة، وتقليل دخل الأسر".
منبها إلى "المخاطر المتزايدة التي تواجهها الأسر اليمنية بسبب أزمة العملة وارتفاع تكاليف الغذاء"، وشدد على "الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية والتنموية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي المتزايد بين الأسر في اليمن". منعا لانتشار خطر المجاعة.
وفي وقت سابق، حذّرت الأمم المتحدة مما سمته “عواقب كارثية محتملة” في اليمن بسبب وجود سلطتين نقديتين متنافستين وتهديد الحكومة بقطع وصول البنوك في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لشبكة سويفت لنظام التراسل المالي الدولي.
صرحت بهذا مديرة عمليات الإغاثة في الأمم المتحدة، إديم ووسورنو، وقالت: أن الحكومة والحوثيين يصدران “توجيهات متنافسة ومتعنتة بشكل متزايد” تحظر على الأفراد والشركات والمؤسسات المالية المحلية والدولية التعامل مع المصارف في المناطق المتنافسة.
مضيفة في إفادتها لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة “يشمل ذلك قرارا وشيكا محتملا باستبعاد البنوك الموجودة في صنعاء من استخدام شبكة سويفت الدولية لنظام التراسل المالي، مما يمنع هذه البنوك من تسهيل المعاملات المالية الدولية”.
وتابعت المسؤولة الاممية إديم ووسورنو، في افادتها لمجلس الامن الدولي، بشأن تطورات الاوضاع في اليمن، الخميس (13 يونيو): إن "هذه التطورات لها عواقب كارثية محتملة وتهدد بالمزيد من الانقسام وإضعاف الاقتصاد اليمني المتعثر بالفعل".
مردفة: "إذا تم قطع البنوك في صنعاء ومناطق أخرى تسيطر عليها سلطات الأمر الواقع الحوثية عن المؤسسات والشبكات المالية الدولية، سنفقد القدرة على تحويل الأموال المطلوبة للحفاظ على العمليات الإنسانية المنقذة للحياة” لعشرات الملايين.
في السياق، تتفق بعثات منظمات الأمم المتحدة العاملة باليمن، في أن "أكثر من نصف سكان اليمن (نحو 18 مليون نسمة)، في حاجة إلى مساعدات إنسانية". والتحذير من "أن أكثر من مليوني طفل قد يواجهون سوء تغذية حادا (مجاعة)".
شاهد .. مجلس الامن يطلع على عواقب حرب العملة
يأتي هذا في ظل مواصلة البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، اصدار قرارات واتخاذ اجراءات تسعى الى احكام الحصار على جماعة الحوثي الانقلابية، ماليا واقتصاديا، واجبارها على الاستجابة لمساعي السلام بموجب المرجعيات الثلاث.
تفاصيل: كماشة اميركية تطبق على الحوثيين
لكن اجراءات البنك المركزي في عدن، بشأن نظام الحوالات ونقل البنوك وومزادات بيع ملايين الدولارات اسبوعيا، لم تكبح الانهيار المتسارع لقيمة الريال اليمني، ليتجاوز سعر صرفه 1825 ريالا مقابل الدولار الامريكي و480 ريالا مقابل الريال السعودي.
واعلنت السعودية، منتصف يونيو، تقديم دعم مالي كبير، لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية المعترف بها، لحل ازمة دفع رواتب الموظفين وانهيار العملة اليمنية المتسارع وتجاوزه سقف 1800 ريال يمني مقابل الدولار، وتبعات ذلك على اسعار السلع والخدمات.
تفاصيل: السعودية تدعم البنك المركزي بهذا المبلغ
يواصل البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، منذ العام 2022م طرح عشرات الملايين من الدولارات اسبوعيا للبيع على البنوك، وباع وفق اقتصاديين قرابة ملياري دولار امريكي، حتى نهاية العام 2023م.
لكن وعلى الرغم من ان مزادات البنك المركزي لم تكبح تدهور سعر الريال اليمني إلا أن فريق خبراء البنك الدولي اوصى بختام مشاوراته مع قيادة البنك المركزي بالاردن، بـ "ضرورة استمرار مزادات بيع العملة الاجنبية".
وتسبب استمرار تدهور قيمة الريال اليمني امام العملات الاجنبية، في ارتفاع فاحش لأسعار السلع الغذائية والمواد التموينية والمشتقات النفطية والخدمات العامة، قدرته تقارير البنك الدولي بنسبة 300%.
مشيرة في الوقت نفسه إلى أن " نحو 50% من سكان مناطق سيطرة الحكومة اليمنية باتوا عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الاساسية جراء التدهور الاقتصادي المتسارع وعجز الحكومة المالي المتزايد".
ويتزامن هذا مع انباء صادمة وغير سارة بالمرة، بشأن عجز الحكومة عن صرف رواتب الموظفين في عدن والمناطق المحررة، خلال الاشهر المقبلة، بفعل ما وصفته مصادر حكومية "ازمة مالية حادة".
أكد هذه الانباء، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في اجتماعه الاربعاء (8 مايو) مع رئيس الحكومة ووزيري الخارجية والمالية ومحافظ البنك المركزي في عدن، بحضور عبدالرحمن المحرمي.
وتحدث الرئيس العليمي عن "ضرورة الوفاء بالتزامات الدولة بما فيها انتظام دفع مرتبات الموظفين، وتحسين الخدمات الاساسية، وفي الاولوية منها توفير المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء".
شاهد .. العليمي يتحدث عن ازمة دفع الرواتب
يشكو قطاع واسع من قرابة 700 ألف موظف وموظفة في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة، تأخر صرف رواتب ديسمبر يناير فبراير، وعدم انتظام مواعيد صرف مرتباتهم، بينما يشكو منتسبو قوات الامن والجيش من تراكم المرتبات المتأخرة،
تفاصيل: توجيه رئاسي عاجل لابن مبارك بشأن الرواتب
وأدت ازمة تأخر صرف رواتب الموفظين بالمناطق المحررة، الى تدخل السعودية، مطلع فبراير الفائت، عبر "إطلاق الدفعة الثانية من منحة دعم الموازنة العامة للدولة والبالغة 250 مليون دولار أمريكي". حسب مسؤول بالبنك المركزي في عدن.
تفاصيل: انفراج كبير بشأن رواتب الموظفين (اعلان)
يترافق انهيار قيمة الريال اليمني وتأخر صرف رواتب الموظفين وارتفاع اسعار السلع والمشتقات النفطية، مع تفاقم تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية وانقطاع الكهرباء مع اشتداد حرارة الصيف اللاهب.
بالتوازي، تتصاعد مظاهر حالة من الفوضى في عدن بعد انتشار كبير للحبوب المخدرة والحشيش، وانتشار النازحين الأفارقة في عدة أماكن في عدن أغلبهم من فئة الشباب، وعودة بيع السلاح في مديرية الشيخ عثمان بعد أن تم منعها خلال الفترة الماضية.
وأرجع مراقبون تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية إلى ما سموه "الفساد وحماية شركاء السلطة للمفسدين". متهمين التحالف ومجلس القيادة الرئاسي والحكومة والمجلس الانتقالي بأنهم "شركاء في حرب الخدمات واخضاع المواطنين لهذا الفساد الجاري".
من جانبهم، يرجع سياسيون واقتصاديون تفاقم تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية في عدن والمحافظات الجنوبية الى "اتساع الاختلالات في المالية العامة للحكومة وصرف رواتب كبار موظفيها بالعملة الصعبة بجانب تبادل اتهامات الفساد".
ويتهم "المجلس الانتقالي" الحكومة بـ "صفقات فساد تتجاوز عدم ايداع ايرادات الدولة في البنك المركزي اليمني إلى نهب المساعدات والمنح المالية وانشاء شركات استثمارية خاصة خارج البلاد، بجانب المضاربة على العملة".
في المقابل، تتهم الحكومة "الانتقالي" بأنه "يعيق عمل الحكومة بإصراره على استمرار انتشار ونفوذ فصائل مليشياته المتعددة" منذ انقلابه على الشرعية في اغسطس 2019م، بتمويل ودعم عسكري مباشر من الامارات وطيرانها الحربي.
مؤكدة أن "استمرار تمرد ‘الانتقالي‘ على الشرعية واستحواذه على قدر كبير من ايرادات الدولة، في عدن وعدد من مدن جنوبي البلاد، فاقم تدهور الاوضاع الاقتصادية والادارية والخدمية وانهيار العملة وارتفاع اسعار السلع والخدمات والمشتقات النفطية".
وتبنت الامارات في 2017م إنشاء "المجلس الانتقالي" ورئيسه عيدروس الزُبيدي، وتمويل تجنيد وتسليح ما يقارب 50 لواء من المليشيات المسلحة، ليغدو الذراع السياسي والعسكري لها في جنوب البلاد، وأداة فرض انفصال جنوب اليمن، بدولة تابعة لأبوظبي وأجندة اطماعها في اليمن.
يشار إلى أن الامارات تراهن على "المجلس الانتقالي الجنوبي" وتمويلها تجنيد وتسليح الوية مليشياته المسلحة، في تمرير أجندة اطماعها في موقع اليمن وسواحله وجزره وثرواته، ضمن سعيها لفرض نفوذها السياسي والاقتصادي على دول المنطقة، عبر هيمنتها على خطوط الملاحة الدولية.