العربي نيوز:
أعلنت جمهورية إريتريا لأول مرة موقفا مفاجئا وجريئا من اليمن وما يشهده من "مؤامرات اقليمية ودولية" حسب تأكيدها، منذ بدء الحرب في اليمن وهجمات جماعة الحوثي في بحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الاحمر ضد سفن الكيان الاسرائيلي "اسنادا لغزة ومقاومتها".
جاء هذا على لسان الرئيس الإريتري، إسياس أفورقي، في مقابلة جريئة مع تلفزيون (Eri-TV) وأعاد نشرها موقع (shabait)، أكد فيها أن "عدم الاستقرار المزمن في اليمن ينبع في جوهره من طموح القوى العالمية في إقامة وجود عسكري في المنطقة".
وقال أفورقي بجرأة غير مسبوقة: "هناك ترابط جغرافي واستراتيجي بين البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وصولاً إلى الصومال واليمن". وأردف قائلا: "إن ما يثير القلق هو سعي قوى خارجية إلى فرض هيمنتها في هذه المنطقة الحساسة تحديدًا".
مضيفا: "هناك جهود لإنشاء قواعد عسكرية في جزيرة سقطرى، وهي جزء من اليمن وتقع في قلب القرن الأفريقي، ومحاولات لبناء قواعد في جزيرتي ميون وزقر في مضيق باب المندب. إن إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في الجزر اليمنية، وراءها مطامع خارجية".
وتابع الرئيس الإريتري، إسياس أفورقي: "وبالنظر إلى هذه الامتدادات الجغرافية، من سقطرى إلى ميون، بالتوازي مع محاولات تقسيم الصومال، فإن الهدف النهائي هو تهيئة مناخ يسمح بإقامة قواعد عسكرية أجنبية لتحقيق أهداف سياسية، ومطامع خارجية".
مشددا في هذا السياق على أن "عدم الاستقرار في اليمن ينبع أساسًا من طموحات القوى العالمية لترسيخ وجود عسكري اجنبي". وأكد في المقابل أن "هذه المؤامرات تشكل تهديدًا مستمرًا للبحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي والقرن الافريقي”.
وقال الرئيس الإيتري، إسياس أفورقي: "تنشأ المشكلة من فرضيات مختلفة طرحتها جهات مختلفة، مما يزيد من التدخلات. بصفتها دولة ساحلية، فإن موقف إريتريا واضح،.. إن تأمين الحركة الملاحية في البحر الأحمر مسؤولية الدول المطلة عليه".
مضيفا: "لا مبرر لمقترحات إنشاء قواعد عسكرية أجنبية أو لأي تدخلات عسكرية مباشرة تستهدف دول المنطقة بحجة حماية أمن الممر البحري". وأردف قائلا: إن "هذه التدخلات العسكرية الخارجية غير قانونية وغير مقبولة، ولا يمكن أن تكون مثمرة".
ولأهمية المقابلة، يعيد "العربي نيوز"، نشر نصها حسب ترجمتها بواسطة "جوجل ترجمة"، كما يلي:
* فخامة الرئيس، لنبدأ هذه المقابلة بمشاركتكم في افتتاح المتحف المصري الكبير. كيف كان هذا الحدث التاريخي؟
**كان المتحف وحفل الافتتاح في غاية الروعة. كان الإعداد الفني والحركة والإضاءة وجميع المؤثرات المصاحبة رائعة. يجب أن نستفيد من هذه التجربة ومن تاريخ مصر العريق والغني، وأن نعمل على تعزيز هذه الأفكار والتعبيرات الثقافية. إنها فرصة لإطلاق آفاق جديدة والاستفادة من هذه القدرات الفنية. يجب نشر هذه التجارب إعلاميًا ليتمكن المواطنون من استخلاص الدروس منها. بكل المقاييس، كان حفل الافتتاح حدثًا مذهلاً، كما شهدناه.
* سيدي الرئيس، التقيتم بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وناقشتموه. ما هي نتائج هذا النقاش ودوره في تعزيز العلاقات الثنائية التاريخية بين إريتريا ومصر؟
**تكتسب العلاقات الثنائية أهميةً أيضًا من حيث أبعادها وتداعياتها الإقليمية. ولا تقتصر مجالات تعاوننا على القضايا الثنائية فحسب؛ بل ناقشنا أيضًا شؤون المنطقة والجوار الأوسع، بالإضافة إلى القضايا التي تؤثر على أفريقيا والمنطقة ككل. وتركز رؤيتنا الاستراتيجية المشتركة على كيفية الخروج من مستنقع التهميش والتدخلات الخارجية وعدم الاستقرار والحروب، والمساهمة في تهيئة بيئة مواتية لمواجهة هذه التحديات.
تناولت مناقشاتنا جوانب تفصيلية للقضايا الراهنة والوضع السائد، لنتمكن من تجديد التزامنا، ووضع خطط مشتركة، وإشراك الآخرين لإشراك جميع أصحاب المصلحة في المنطقة. وشددنا على رفع مستوى الوعي الاستراتيجي، وتوضيح الأهداف، والاستفادة من الموارد المتاحة - وهي عملية تتطلب جهدًا متواصلًا. إن الثقافة السياسية التي نغرسها في علاقاتنا الثنائية والاستراتيجية بالغة الأهمية، لأن الأهداف طويلة المدى والتحديات جسيمة. لذا، تتطلب المهمة التنسيق بين الأهداف الإقليمية والسياق العالمي.
ستستمر المشاورات الثنائية، فالعلاقة الاستراتيجية لا تقتصر على إصدار إعلان مشترك حول موقف مشترك، بل تتطلب عملاً جاداً وعملياً، لتعزيز علاقات حقيقية في نهاية المطاف.
* لطالما كان السودان حاضرًا في مناقشاتكم، نظرًا لحدود كلٍّ من مصر وإريتريا المشتركة مع السودان. ما هي الرؤية المشتركة بين البلدين لحل هذه الأزمة والتغلب على الوضع المأساوي هناك؟
**إن مشكلة السودان تُمثل بالفعل التحدي الأكبر في منطقتنا. ومع ذلك، نحن عازمون على تعزيز مساهمتنا في سعي الشعب السوداني لإيجاد حلول لمشاكله دون تدخل خارجي. ما يحدث في السودان يُصوَّر غالبًا على أنه حرب أهلية. لكن في الحقيقة، يواجه السودان مؤامرة - غزوًا، معلنًا ومُغطى. هذا أمرٌ مُحزن للغاية.
قام الشعب السوداني بانتفاضة شعبية عفوية للمضي قدمًا نحو مستقبل أفضل بعد ثلاثة عقود حافلة بالتحديات. وللأسف، لم تكن الظروف مُواتية لذلك الانتقال. كان بإمكان السودانيين رسم خارطة طريق لمرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية، لكن التدخلات الخارجية عقّدت العملية، وخلقت مشاكل جديدة، وأدت فعليًا إلى أعمال غزو. منذ الانتفاضة الشعبية، ضاع وقت وفرص ثمينة، على الرغم من أنه كان من الممكن إيجاد حلول في غضون عامين أو ثلاثة أعوام بعد الانتفاضة. لا تزال الأزمة قائمة.
لذلك، تُعد الجهود المصرية الإريترية، إلى جانب جهود الأطراف الأخرى، أساسية. يجب أن نعمل بجدية. فكثيرًا ما يُستخدم التشويه الإعلامي وتزييف الحقائق كمبررات للتدخلات الخارجية. على سبيل المثال، استهدفت المبادرة المصرية، التي ضمت دول جوار السودان، حصر الأمر في الجهات المعنية مباشرةً والأكثر درايةً بواقع السودان وقدراته، مما يُمكّنها من المساهمة في حل الأزمة. وبالفعل، كانت تلك الدول أكثر درايةً بأزمة السودان وقدرتها على حلها. إلا أن هذه المبادرة واجهت عقبات، كما هو الحال مع مبادرات إقليمية أخرى.
ورغم كل هذه العقبات، فإننا نواصل جهودنا كدول جوار، مثابرين وعازمين على إيجاد حلٍّ سودانيٍّ خالص، نظرًا لوجود مصالح استراتيجية مشتركة بين السودان وشعوب المنطقة. ولذلك، يقع على عاتق جميع حكومات المنطقة العمل في هذا الاتجاه ودعم الشعب السوداني في تجاوز هذه الأزمة.
* تُعدّ مسألة البحر الأحمر، وأمنه واستقراره، مصدر قلق بالغ، إذ أن إريتريا ومصر عضوان في دول ساحلية عليه. ما هي الرؤية والجهود المشتركة لإنشاء آلية تنسيق بين هذه الدول؟
**هذه مسألة معقدة تتطلب وقتًا لشرح أبعادها بالكامل. فالبحر الأحمر ليس ملكًا للدول الساحلية فحسب، بل هو ممر مائي دولي ذو أهمية جيوسياسية بالغة، تفوق أي ممر بحري آخر، سواء في المحيطين الهندي والهادئ. ويلقي البحر الأحمر بمسؤولية كبيرة على عاتق الدول المطلة عليه، بما فيها مصر وإريتريا. ودون الخوض في التفاصيل، فإن ضمان أمن هذا الممر البحري مسألة استراتيجية، ليس فقط لدول المنطقة، بل أيضًا للقوى الدولية.
تنشأ المشكلة من فرضيات مختلفة طرحتها جهات مختلفة، مما يزيد من التدخلات. بصفتها دولة ساحلية، فإن موقف إريتريا واضح. يتمحور الاقتراح الذي قدمناه في مناسبات مختلفة، والذي يتضمن اثنتي عشرة نقطة، حول ما يلي:
أولاً: يجب أن تمتلك كل دولة ساحلية القدرة الداخلية على حماية سواحلها ومواردها البحرية. قد تحتاج هذه الدول إلى قدرات وموارد إضافية للوفاء بالتزاماتها بفعالية. ومع ذلك، لا توجد قوة خارجية يمكنها أن تحل محل القدرات الداخلية لكل دولة ساحلية. ومن هذا المنطلق، وحتى مع اختلاف وجهات النظر هنا وهناك، آمل أن تُشكل هذه المهمة المطلب الأساسي والمشترك لنا جميعًا. يجب أن تلتزم كل دولة ساحلية وشعبها بالمبدأ الأساسي المتمثل في حماية مواردها البحرية، ككيان ذي سيادة، من خلال قدراتها الداخلية.
ثانيًا: يجب أن تكون هناك آلية تعاون بين الدول الساحلية لتوحيد قواها وتأمين هذا الممر المائي الدولي بشكل جماعي من خلال إطار قانوني ومؤسسي مشترك. لا تتطلب هذه العملية قواعد عسكرية أجنبية أو تدخل قوى إقليمية أو عالمية. بل ينبغي أن تضمن دول المنطقة أمن البحر الأحمر المستدام بنفسها ولأجيالنا القادمة.
ثالثًا: في حال عجز الدول المطلة على البحر الأحمر عن حماية الممر البحري، قد يكون هناك دور للتعاون الدولي ضمن إطار قانوني واضح. مع ذلك، لا يعني هذا أن كل دولة مطلة على البحر الأحمر يمكنها إبرام اتفاقيات مع القوى العظمى أو دول المنطقة بحجة حماية أراضيها البحرية. فهذه الإجراءات غير مقبولة لما تحمله من تعقيدات وتحديات إضافية.
لذا، يجب أن تُحكم هذه الإجراءات ضمن حدود القانون الدولي أو إطاره. إذا احتاجت الدول المطلة على البحر الأحمر إلى آلية إضافية وبديلة لتعزيز آليات التعاون التي طورتها لضمان أمن الممر البحري، فستحتاج إلى وضع اتفاقية تكميلية فيما بينها تُعرض على مجلس الأمن أو الأمم المتحدة للمصادقة عليها.
خارج هذه الرؤية، لا مبرر لمقترحات إنشاء قواعد عسكرية أجنبية أو لتدخلات عسكرية مباشرة تستهدف أي دولة مطلة على البحر الأحمر بحجة حماية أمن الممر البحري. هذه التدخلات لا يمكن أن تكون مثمرة، فهي في الواقع غير قانونية وغير مقبولة. ومن هذا المنطلق، فإن كلاً من إريتريا ومصر على استعداد للاضطلاع بدورهما في تعزيز بيئة تعاونية بين جميع الدول المطلة على البحر الأحمر. وهذا ليس مصدر قلق لإريتريا ومصر وحدهما، بل هو أمر يهم المنطقة بأسرها.
أعتقد أن هذا نهج واقعي لا يتطلب أي تعقيدات أو تدخل خارجي. وعلينا أن نواصل الدعوة إليه كمقترح شامل. يضمن هذا الإطار بقاء البحر الأحمر ممرًا مائيًا عالميًا يخدم مصالح جميع دول وشعوب العالم.
* لطالما كان الصومال جزءًا من المحادثات الإريترية المصرية، وقد عُقدت قمة ثلاثية بين إريتريا ومصر والصومال في أسمرة. ما هي الجهود المشتركة المبذولة للمساعدة في الحفاظ على سيادة الصومال، وإعادة بناء مؤسساته الوطنية، واستعادة وحدته؟
**لم تقتصر المناقشات الثنائية على مسائل البحر الأحمر فحسب. يرتبط البحر الأحمر بمضيق باب المندب وخليج عدن، ويتصلان بشواطئ الصومال والمحيط الهندي - وجميعها مترابطة جغرافيًا واستراتيجيًا. الأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة بأكملها مترابطة.
كما ذكرتُ في مقابلة سابقة، يمتلك الصومال خطًا ساحليًا يبلغ طوله حوالي 3000 كيلومتر. السؤال الرئيسي هو كيفية المساعدة في بناء قدرات الصومال على حماية أراضيه ومجاله الجوي وسواحله. إن التحديات التي يواجهها الصومال - مع ضعف المؤسسات السيادية للدفاع عن مصالحه الوطنية ومجاله الجوي وسواحله وأراضيه - ملموسة.
وبالتالي، تتضح ضرورة تعزيز القدرات الداخلية للصومال. لقد عملنا طويلًا، حتى قبل استقلال إريتريا، على دعم قدرة الصومال على إنشاء مثل هذه المؤسسات. لا يمكن لأحد أن يعوض ما يتعين على الصوماليين القيام به بمفردهم لبناء وتعزيز مؤسسات دولتهم. لكن هذه العملية تتطلب وقتًا وموارد.
وينطبق الأمر نفسه على أمن خليج عدن، الذي يمتد بين الصومال واليمن وعُمان. ومع ذلك، فإن ما يثير القلق اليوم هو محاولة قوى خارجية ترسيخ مواقع هيمنة في هذه المنطقة تحديدًا. هناك جهود لإنشاء قواعد في سقطرى، وهي جزء من اليمن وتقع في القرن الأفريقي.
وبالمثل، محاولات لبناء قواعد في جزيرتي ميون وزقر في مضيق باب المندب. بالنظر إلى هذه الجغرافيا - من سقطرى إلى ميون - ومحاولات بلقنة الصومال، يتضح أن الهدف النهائي هو تهيئة مناخ ملائم لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في تلك المنطقة لتحقيق أهداف سياسية معينة.
ينبع عدم الاستقرار في اليمن، في جوهره، من طموح القوى العالمية لترسيخ وجود عسكري. تُشكل هذه المؤامرات خطرًا مستمرًا على البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي. ولذلك، فهي تتطلب جهودًا إقليمية ومحلية منسقة للتحذير من التهديدات المحدقة.
وحتى في غياب اتفاق إقليمي شامل بشأن البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي، فإن حتمية تعزيز الاستقرار الإقليمي لا جدال فيها. ومن هذا المنظور، ومع مراعاة العمق الاستراتيجي والترابط بين هذه المنطقة، فإن ضرورة التعاون والتضامن الإقليمي بين شعوبها وحكوماتها واضحة وضوح الشمس. وهذا ليس خيارًا، بل واجب تاريخي.
يشار إلى أن وكالات دولية عدة، بينها وكالة امريكية شهيرة، أكدت في تقارير متلاحقة تشييد الامارات قواعد عسكرية جوية في كل من جزيرة ميون ومدينة المخا، وفي جزيرة سقطرى وزقر وسمحة، ضمن سعيها لفرض هيمنتها على دول المنطقة عبر السيطرة على سواحل الدول المطلة على البحر الاحمر، كوكيل امني لصالح الكيان الاسرائلي،
