العربي نيوز:
تكشفت خفايا صادمة وخلفيات فاجعة لجريمة اغتيال المدير العام لصندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز، افتهان المشهري، نهار الخميس (18 سبتمبر) في جولة سنان وسط مدينة تعز، باطلاق وابل من الرصاص عليها تجاوز عددها 20 رصاصة، اخترقت رأسها وجسدها.
جاء هذا بتسريب وثائق رسمية، أظهرت أن المجني عليها، تعرضت للابتزاز المالي ورفضت الرضوخ له، ثم تقدمت لمحافظ تعز، يوم الخميس (18 اغسطس)، ببلاغ وشكوى عن "اقتحام مقر صندوق النظافة والتحسين وإغلاقه وتهديد مديرته بالقتل والتصفية".
وحسب صورة لرسالة الى مدير عام شرطة تعز، فقد وجه محافظ تعز، نبيل شمسان، في اليوم نفسه، توجيهات حازمة لإدارة شرطة تعز، قضت بـ "سرعة القبض على مقتحم مقر الصندوق المدعو محمد صادق حميد قاسم المخلافي، الشهير بلقب "الباشق".
رسالة المحافظ الصادرة برقم (719) شددت على سرعة "ضبط المذكور واحالته الى جهات الاختصاص وفقا للقانون، وتوفير الحماية الامنية اللازمة لمقر الادارة العامة لصندوق النظافة التحسين، وموافتنا بالنتائج وبصورة عاجلة، ونحملكم مسؤولية ذلك".
ورغم ان صورة الرسالة المسربة تتضمن توقيع مدير شرطة تعز باستلام التوجيه في اليوم نفسه، إلا أن عملية ضبط مقتحم مقر صندوق النظافة ومهدد مديرته بالقتل لم تنفذ طوال نحو شهر، لاسباب غير معروفة، حتى نفذ تهديداته، الخميس (18 سبتمبر).
في السياق، اكد محافظ تعز في بيان نعي بحائطه في "فيس بوك"، أنه "سبق وأن وجه بحماية المشهري، بعد تلقيها تهديدات وإغلاق مكتبها من قبل نفس الجناة، محملا المسؤولية الكاملة كل من قصّر أو تهاون في تنفيذ تلك التوجيهات الوقائية السابقة".
تسبب انكشاف هذه التفاصيل في مضاعفة حدة موجة الغضب والسخط، التي فجرها اغتيال افتهان المشهري، بين اوساط الملايين من سكان تعز، معتبرين ان "هذا التساهل في ضبط الباشق، شجعه على تنفيذ تهديداته، بكل دم بارد وفي وضح النهار".
وأكدت مصادر محلية أن "المشهري تعرضت في وضح النهار وعلى مرأى المارة وكاميرات المراقبة، لإطلاق نار مكثف من مسلحين مجهولين، حيث أطلقوا عليها أكثر من عشرين رصاصة من مسافة قريبة جداً، فور نزولها من سيارتها، بجولة سنان".
موضحة أن "الاعيرة النارية اصابت المشهري بشكل مباشر في الرأس والجسد، ما أدى إلى وفاتها على الفور". وأفادت بأن "حالة الجثة تقشعر لها الأبدان لكثافة الرصاص واستهداف المسلحين وجهها وملامحها بشكل مباشر، قبل ان يلوذوا بالفرار".
وأدانت الناشطة الحقوقية والسياسية، الحائزة جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، الجريمة، في تدوينة، وحملت سلطات تعز وأجهزتها الأمنية مسؤولية "تبعات أي تهاون أو تقصير". وقالت: "رحمها الله ولا نامت اعين القتلة والمتهاونين والمقصرين".
بدورهم، بدأ عمال صندوق النظافة والتحسين في تعز، احتجاجات غاضبة، واعلنوا عن بدء اضراب شامل وتعليق اعمالهم، وقطع الطرقات ببراميل النفايات، ونصب خيام اعتصام حتى ضبط قاتلي افتهان وتقديمهم للعدالة.
واعلنت وكالة الانباء الحكومية (سبأ)، أن الرئيس رشاد العليمي "وجه الأجهزة الامنية والعسكرية باتخاذ كافة الإجراءات لملاحقة العناصر الإجرامية، وتقديمهم لمحاكمة عاجلة لينالوا جزاءهم الرادع واستمرار اجراءات القضاء على الارهاب بكل اشكاله".
كما وجه رئيس الحكومة سالم بن بريك، الأجهزة العسكرية والأمنية في تعز بـ "سرعة ملاحقة وضبط الجناة المتورطين في الجريمة،.. وتجاوز الاختلالات الامنية". متعهدا بأن "إن الجناة لن يفلتوا من العقاب وستطالهم يد العدالة، ويدفعون ثمن جريمتهم".
بالمقابل، نقلت وكالة "سبأ" عن اجتماع طارئ للجنة الامنية بمحافظة تعز، برئاسة وكيل اول المحافظة الدكتور عبدالقوي المخلافي أنه اقر "تحريك حملة امنية مشتركة لتعقب الجناة وعلى رأسهم المتهم محمد صادق (الباشق)، بعدما تم تحديد هوياتهم".
مضيفة: إن اللجنة "وجّهت باقتحام المنازل المشتبه بتواجد المطلوبين فيها، وأصدرت تعميمًا لقادة الكتائب العسكرية شمال شرق المدينة بالتعاون مع الحملة الأمنية في عمليات الملاحقة والقبض، على المتهمين" الذين وثقت كاميرات المراقبة صورهم بالكامل.
وأشارت وكالة الانباء الحكومية (سبأ) إلى ان "اللجنة الامنية بمحافظة تعز أكدت أنها ستظل في حالة انعقاد دائم حتى ضبط المتهمين وتقديمهم للعدالة". وشددت على "ضرورة نشر صور المطلوبين في جميع المنافذ والنقاط الأمنية لضمان عدم إفلاتهم".
إلى ذلك، ذكرت مصادر محلية أن "حملة امنية تحركت إلى ما يُعرف باسم ‘مربع الموت‘ شمال شرق المدينة، حيث اندلعت اشتباكات مع نحو 200 مسلح بأسلحة خفيفة ومتوسطة، يوفّرون الحماية للجناة، قبل أن تتراجع القوات باتجاه جولة زيد الموشكي".
مشيرة إلى أن "المسلحين مدججين بأسلحة متوعة خفيفة ومتوسطة، بينها أطقم عسكرية مزودة برشاشات متوسطة، وبنادق وقذائف RBG، ومعدات قتالية أخرى". ولفتت إلى أن "الروابط الأسرية والعصبوية تلعب دورًا في توفير هذا الغطاء المسلح الكبير".
ونوهت المصادر المحلية إلى أن "تراجع قوات الحملة الامنية لجولة الموشكي، جاء على خلفية وعود من المسلحين بتسليم القاتل نفسه". لكنها اكدت ان "هذه الوعود مجرد مماطلات لكسب الوقت، تمهيدًا لتهريب الجناة إلى مناطق آمنة مع حلول الليل".
وفقا لاعلاميين وناشطين، فإن دوافع الاغتيال ترجع إلى "اغلاق افتهان المشهري منافذ الفساد بالصندوق"، وأنها "رفضت تقاسم ايرادات صندوق النظافة بين مسؤولين ونافذين، وسخرتها لشراء معدات ثقيلة وتحسين النظافة وتشجير الشوارع وتكريم العمال".
ونشر حسام الشرماني (مصور وصانع افلام) حديثا مصورا، للفقيدة افتهان المشهرين، قالت فيه: إنها "أول امرأة تعينت في منصب تنفيذي بمحافظة تعز، وأن ابرز التحديات التي واجهتها هي كونها امرأة". وأردفت: "أتيت الى صندوق النظافة وهو مثقل بالديون".
مضيفة: أنها باشرت عملها مديرا لصندوق النظافة في تعز وهو "مثقل بالواجبات الكثيرة الذي يفترض من خلاله الحفاظ على سلامة الناس والبيئة، اتيت الى الصندوق وشبه منعدمة فيه المعدات الثقيلة للنظافة، وخلال عام استطعت توفير خمس معدات ثقيلة".
لكن مصادر محلية، اكدت أن "ما يجري لا يمكن النظر إليه كتحرك فردي"، وتحدثت عن "رأس كبيرة تقف خلف هذه العصابة وتمولها، من داخل اليمن أو خارجه". مشيرة الى أن "الهدف تنفيذ أجندة خفية تتجاوز جريمة الاغتيال، إلى أهداف اخطر"،
تعتبر تعز من أكثر المحافظات تضرراً جراء الحرب المتواصلة في اليمن، وتشهد مدينة تعز بين الحين والآخر جرائم اغتيال وتفجيرات تستهدف شخصيات أمنية وعسكرية وقضائية وحكومية ادارية، تتهم بتنفيذها خلايا تابعة للامارات.
وتعاني تعز، من استمرار محاولات طارق عفاش وشقيقه عمار، وكيل جهاز الامن القومي سابقا، ومسؤول استخبارات قواته، زعزعة امن تعز عبر خلايا الاغتيالات وعصابات مسلحة، تسعى إلى نشر الفوضى في المدينة وتأجيج السخط الشعبي.
تسعى الامارات، الى استكمال السيطرة على كامل الساحل الغربي لليمن، وتأمين سيطرتها على مديرية وميناء المخا، بتنفيذ محاولات عدة نفذتها مليشياتها المحلية لاجتياح ريف تعز وصولا الى السيطرة على مدينة تعز، وتصدت لها قوات الجيش.
وتُضاف محاولات زعزعة امن تعز، الى معاناة تعز من تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية، جراء تداعيات الحرب المتواصلة للسنة العاشرة ، وتفاقم ممارسات الفساد من قبل عناصر محسوبة على النظام السابق في السلطة المحلية للمحافظة.
يشار إلى أن مدينة تعز، ظلت تواجه حصارا من جهة الساحل الغربي تنفذه قوات طارق عفاش، وحصارا من جهتي الجنوب والشرق تنفذه مليشيا "المجلس الانتقالي" في لحج، بجانب الحصار المفروض على جبهات التماس مع الحوثيين، شمالا.