العربي نيوز:
ربط رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، سالم صالح بن بريك استمراره في منصبه والعدول عن قرار الاستقالة بثلاثة شروط رئيسة، طرحها على قيادة المملكة العربية السعودية فور وصوله الرياض، مساء الاثنين (15 سبتمبر)، مؤكدا رفضه قرارات التعيينات الصادرة عن رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" التابع للامارات، عيدروس الزُبيدي.
كشف هذا، تصريحات خاصة لمصادر برئاسة الوزراء في العاصمة المؤقتة عدن، أفادت بأن "رئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك ربط استمراره في منصبه بالغاء قرارات الزبيدي ودعم استكمال الاصلاحات الاقتصادية والادارية، وتوفير دعم مالي لتنفيذها". موضحة أن "هذا ما سيطرحه رئيس الوزراء سالم بن بريك على قيادة المملكة العربية السعودية".
وأكدت وكالة الانباء الحكومية (سبأ) مساء الاثنين (15 سبتمبر)، أن "رئيس الحكومة اليمنية، غادر العاصمة المؤقتة عدن متوجهًا إلى المملكة العربية السعودية" بعد يوم على مغادرة رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، وعضوي المجلس الشيخ سلطان العرادة وعبدالله العليمي باوزير، للرياض ومنها الى قطر للمشاركة في القمة العربية والإسلامية الطارئة.
لكن الوكالة لم تذكر اي تفاصيل عن طبيعة مغادرة رئيس الحكومة وما إذا كانت زيارة رسمية أم احتجاجا على انقلاب رئيس "الانتقالي الجنوبي" على مرجعيات نقل الرئيس هادي السلطة لمجلس القيادة الرئاسي واصداره قرارات تعيين - احادية- دون الرجوع لرئيس المجلس الرئاسي وشرط توافق اعضائه او حتى الرجوع لرئيس الحكومة، التي يزعم مساندتها.
وكشف مستشار رئيس مجلس ادارة مؤسسة "14 اكتوبر" للصحافة في عدن، عبدالرحمن انيس أن "رئيس الحكومة غادر عدن على متن رحلة لشركة الخطوط الجوية اليمنية". مرجحا في تدوينة ان "يعلن استقالته مالم تطرأ مستجدات تغير هذا المسار". في اشارة لقائمة شروطه للاستمرار بمنصبه الذي عين فيه قبل اربعة اشهر خلفا لسلفه المستقيل الدكتور احمد بن مبارك.
عزز هذا، اقتحام مليشيا "الانتقالي الجنوبي" مقرات عدد من الوزارات والهيئات الحكومية، لتنفيذ قرارات تعيينات عيدروس الزُبيدي، شخصيات موالية له في مناصب بارزة، بدءا من رئيس هيئة الاراضي وعقارات الدولة، ونائب وزير الإعلام ووكيل لمحافظة عدن، ومدير شركة النفط، وغيرهم ممن شملتهم قرارت الزُبيدي، الاربعاء (10 سبتمبر) من دون صفة.
واصطدم رئيس الحكومة سالم بن بريك، مع "المجلس الانتقالي الجنوبي" عقب رفض مليشيات المجلس، تنفيذ قرارات رئيس هيئة الاراضي، سالم العولقي، بشأن تصحيح مخالفات ارتكبتها المليشيا، واضطراره إلى تقديم استقالته المسببة، ومسارعة "الانتقالي الجنوبي" لتعيين بديل عنه، رغم كونه عضوا في هيئة رئاسة "الانتقالي الجنوبي" ورئيسا سابقا لهيئته الاعلامية.
يأتي هذا بعدما كشفت مصادر رئاسية متطابقة في عدن، حقيقة ما حدث في قصر معاشيق الرئاسي، وأكدت احتدام الخلافات بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي وعضو المجلس الشيخ سلطان العرادة، مع عضو المجلس رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" التابع للامارات، على تجاوزه المجلس الرئاسي بإصدار قرارات تعيين ليست من صلاحياته.
تفاصيل: كشف ماحدث مع العليمي والعرادة !
واستدعى التصعيد، تدخل المملكة العربية السعودية، لعقلنة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، بعد انقلابه الجديد على الشرعية اليمنية واصدار رئيسه عيدروس الزُبيدي قرارات تعيين نواب وزراء ووكلاء محافظات ووزارات، ورؤساء هيئات، دون الرجوع لرئيس المجلس الرئاسي واعضاء المجلس بزعم "أن الارض ارضه والشعب شعبه".
أضطر التدخل السعودي "الانتقالي الجنوبي" على التراجع عن تهديداته في بيانه الاربعاء (10 سبتمبر)، وإصدار متحدثه، انور التميمي، ليل الخميس (11 سبتمبر)، ما سماه "احاطة إلى وسائل اعلام دولية" بشأن المستجدات أعلن فيها، إن "المجلس الانتقالي لا يتجه إلى فضّ هذه الشراكة، بل إلى ترسيخها بما يخدم مصلحة المواطنين".
تفاصيل: السعودية تكسر "الانتقالي" مجددا (اعلان)
في المقابل، اتفق سياسيون، بينهم عضو مجلس النواب، النائب علي عشال في أن "قرارات عيدروس الزبيدي ليست مجرد مخالفة إجرائية، بل انتهاك صارخ للدستور والمرجعيات الوطنية الحاكمة، ومضمونه لا يخرج عن كونه إعلاناً صريحاً للانقلاب على الشرعية الدستورية وتجاوزاً لمؤسسات الدولة، يمسّ جوهر التوافق الوطني".
مضيفا في بيان : "السكوت عن هذه التجاوزات، وعدم صدور موقف واضح يبيّن بطلانها من قِبل رئيس وأعضاء مجلس القيادة، ستكون له عواقب وخيمة على الشرعية، ليس فقط كمنظومة سياسية، بل كمؤسسات دستورية معترف بها دولياً، ويمثل ذلك تهديداً مباشراً للشرعية أمام العالم الذي تعامل معها بوصفها الممثل الرسمي للدولة اليمنية".
وتابع: إن "المصلحة الوطنية العليا تقتضي رفع الصوت عالياً ضد كل عبث أو تجاوز يعصف بمؤسسات الدولة، وأن نغادر مربع الصمت والمجاملات السياسية والمواقف الرمادية". وأردف: "التجارب القريبة أثبتت أن المواقف المبنية على الحسابات الضيقة أو المصالح المتوهّمة قُوِّضت أركان الدولة وضُيّعت مكتسباتها، وسُلّمت البلاد لعصابات".
لافتا إلى أن "القيادة الرئاسية وأعضاءها قد أقسمت أمام البرلمان على احترام الدستور وصون القانون، ونكوصها عن هذا القسم يجعلها مسؤولة أمام الشعب ممثلاً بمجلس النواب، الذي هو صاحب الحق الأصيل في منح الشرعية ومحاسبة كبار موظفي الدولة". ومطالبا مجلس النواب، رفض أي قرارات أو ممارسات تمثل خروجاً على الدستور والقانون.
كذلك السكرتير الصحفي برئاسة الجمهورية ومستشار وزير الاعلام سابقا، مختار الرحبي، قال في تدوينة : إن "هذا السلوك ليس مفاجئاً، فالزبيدي انقلابي منذ اليوم الأول ولا يمكن أن يكون جزءاً من مشروع الدولة والجمهورية بل اداة بيد الإمارات، حيث يعمل تفكيك الدولة وفرض أجندة انفصالية تتعارض مع الشرعية والدولة والجمهورية".
تتابع هذه التطورات، في ظل مواصلة "الانتقالي الجنوبي" سعيه للسيطرة على كامل جنوب البلاد وفرض انفصاله بقوة سلاح مليشياته المتمردة؛ وانتهاج سياسة الاقصاء والقمع لكل من يختلف معه أو ينتقده، وتطبيق النهج الشمولي للحزب الاشتراكي اليمني، ابان توليه حكم جنوب البلاد، وإعمال شعاره "لا صوت يعلو على صوت الحزب".
وتتصاعد مظاهر الفوضى والانفلات الامني والإداري والمالي، في عدن ومدن ومحافظات سيطرة مليشيا "الانتقالي"، وتفاقم الاعتداءات على المواطنين وحرمات منازلهم واراضيهم واراضي الدولة والنهب للايرادات العامة للدولة، وجرائم الاغتيالات والاختطافات والاعتقالات خارج القانون، دون ضبط الجناة.
عمَّدت مليشيا "الانتقالي الجنوبي" و"العمالقة الجنوبية" الممولة من الامارات، الى السيطرة على مدن ومديريات جنوب البلاد بغطاء "مكافحة الارهاب"، وارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق المواطنين بما فيها "العيب الاسود"، عبر اقتحام المنازل وانتهاك حرماتها، واعتقال واغتيال المواطنين الابرياء، المعارضين استبدادها وفسادها.
وتبنت الامارات، جمع الآلاف من عناصر تنظيم "القاعدة" في جنوب اليمن، لتشكيل مليشيات "مقاومة جنوبية" إبان حرب عدن 2015م، ضمت قيادات سلفية "جامية" جنوبية بارزة امثال: هاني بن بريك، وعبدالرحمن المحرمي، ومحسن الوالي، وحمدي شكري، وعبداللطيف السيد، وبسام المحضار، وغيرهم.
تفاصيل: الامارات تمول "القاعدة" باليمن (وثيقة)
مولت الامارات علنا، منذ بدء مشاركتها في التحالف العربي لدعم الشرعية، وعبر قيادة قواتها المشاركة في "التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن"؛ انشاء تشكيلات عسكرية محلية وتسليحها، بينها نحو 15 لواء باسم "العمالقة الجنوبية" نكاية بألوية "العمالقة" التي حسمت حرب صيف 1994م ضد انفصال جنوب اليمن.
وعقب انتهاء معركة تحرير عدن في مايو 2015م، من قوات جماعة الحوثي والرئيس الاسبق علي عفاش؛ نقلت الامارات الوية "العمالقة الجنوبية" إلى الساحل الغربي لليمن، لمواجهة الحوثيين والسيطرة على الساحل، ضمن سعيها للهيمنة على المنطقة، عبر الاستحواذ على الموانئ وفرض نفوذها على الملاحة البحرية.
بالتوازي، مولت الامارات في 2017، القيادي السابق في وزارة الداخلية، عيدروس الزُبيدي لانشاء ما سمته "المجلس الانتقالي الجنوبي" ونحو 50 لواء مسلحا بمسميات "الاحزمة الامنية" و"الدعم والاسناد" و"النُخب"، ضمن مسعاها الى فرض انفصال جنوب اليمن بدولة تابعة لأبوظبي وأجندة اطماعها في اليمن والمنطقة.
ودعمت الامارات بطيرانها الحربي، تنفيذ مليشيات "المجلس الانتقالي" انقلابا عسكريا على الشرعية اليمنية، بدءا من منتصف مايو 2019، مرورا بإسقاط العاصمة المؤقتة عدن (اغسطس 2019)، ثم محافظة سقطرى (يونيو 2020م)، ووصولا إلى السيطرة على محافظتي ابين ولحج ثم محافظة شبوة نهاية العام 2021م.
تسبب الانقلاب الاماراتي بواسطة ذراعها "الانتقالي الجنوبي" ومليشياته، في سيطرة الاخيرة على مؤسسات الدولة ومقدراتها، ومنع الحكومة الشرعية من مزاولة عملها في عدن، وتبعا انهيار الاوضاع المعيشية والادارية والخدمية والاقتصادية والامنية في عدن ومدن جنوب اليمن، واستمرار انهيار قيمة العملة الوطنية.
وتعاني مدينة عدن وعدد من مدن جنوب اليمن، انفلاتا امنيا واسعا، منذ انقلاب "المجلس الانتقالي الجنوبي" ومليشياته على الشرعية في اغسطس 2019م بدعم عسكري اماراتي، تصاعدت معه جرائم الاعتداءات والاختطافات والاغتيالات دون ضبط ومحاكمة أي من الجناة، لانتمائهم الى مليشيا "الانتقالي الجنوبي".
تفاصيل: غضب شعبي يباغت المليشيا بكل شارع (صور)
وأطلقت مليشيا "الانتقالي الجنوبي" بدعم اماراتي نهاية 2021م حملة لاجتياح محافظة شبوة سمتها "اعصار الجنوب"، وأخرى لاجتياح محافظة أبين سمتها "سهام الشرق" وقوبلت انتهاكاتها لحرمات منازل المواطنين واعتقالهم، بردود فعل قبلية خلفت عشرات القتلى والجرحى من مليشيا "الانتقالي الجنوبي" بينهم القيادي عبداللطيف السيد.
يشار إلى أن الامارات تراهن على "المجلس الانتقالي الجنوبي" وتمويلها تجنيد وتسليح الوية مليشياته المسلحة ومليشيات "العمالقة الجنوبية"، في تمرير أجندة اطماعها في موقع اليمن وسواحله وجزره وثرواته، ضمن سعيها لفرض نفوذها السياسي والاقتصادي على دول المنطقة، عبر هيمنتها على خطوط الملاحة الدولية.