العربي نيوز:
تكشفت سريعا، أسباب ازمة السيولة النقدية للعملة الوطنية وتأخر صرف رواتب الموظفين في عدن وجنوب البلاد، والعوامل المؤدية إلى افراغ خزائن البنك المركزي اليمني، من النقد المحلي، وأن أبرزها يتمثل في السحب الحكومي بلا غطاء والمصارفة والمضاربة بالعملة، سعيا لتثبيت التحسن النسبي بسعر صرف الريال مقابل العملات الاجنبية.
جاء هذا في تحليل مالي مقرون بالبيانات المالية، نشره الخبير البارز في الرقابة المالية والمصرفية، وحيد الفودعي، في سلسلة تدوينات على حائطه الرسمي بمنصة "فيس بوك" للتواصل الاجتماعي، منتصف ليل الاثنين (8 سبتمبر). ساردا اسباب عدم عودة ثلاثة ترليونات ريال لخزينة البنك المركزي، واسباب الصراع بين البنك ووزارة المالية.
وقال الفودعي: إن "توقف صادرات النفط منذ نوفمبر 2022 فضح هشاشة المالية العامة". وقال: "المفترض أن تُسارع الحكومة لإجراءات عاجلة: إيرادات بديلة، ترشيد إنفاق، حماية الموارد المتبقية. لكن ما حدث كان العكس: الموارد القليلة تُركت لتدار عبر الصرافة كما كان يحدث من قبل، فتحولت من رافد سيادي إلى أداة مضاربة جديدة".
مضيفا: أن "القوانين اليمنية تنص على استقلالية البنك المركزي. لكن الواقع مختلف تمامًا: دولة بلا موازنة منذ سنوات. (75–80%) من الموارد خارج سيطرة البنك المركزي، إيرادات الجمارك تُصرف من المنافذ مباشرة بلا مرور بالبنك. بهذا الشكل، فقدت الدولة قدرتها على التخطيط المالي، وتحولت مواردها إلى مبالغ مبعثرة بلا أولوية أو رقابة".
وتابع الفودعي: "الأخطر أن جزءًا كبيرًا من إيرادات الدولة يُودع في محلات الصرافة بدل البنوك. موارد عامة كان يفترض أن تموّل الرواتب والخدمات، صارت وقودًا للمضاربة بالعملة، تضغط على السوق النقدية وتوسع فجوة الثقة بالريال". وتساءل: فهل يمكن أن يُطالب البنك المركزي بتغطية التزامات مالية من موارد لا يديرها أصلًا؟ هذا هو جوهر الصراع اليوم".
بمعطيات رقمية، كشف الفودعي، عن إنه "بين أكتوبر 2022 ويونيو 2025، موّل البنك المركزي الحكومة بـ 2.6 مليار دولار استُنزفت من كل الحسابات الممكنة: الودائع السعودية، أرصدة البنوك، الاحتياطيات الإلزامية، أذون الخزانة… حتى الرمق الأخير. لكن المشكلة لم تتوقف عند الخارج، بل ضربت الداخل: أزمة سيولة خانقة للبنوك، وانسداد الدورة النقدية في السوق".
وذكر من البيانات المالية، أن "إيرادات الدولة السنوية لا تتجاوز 750 مليار ريال، بينما الإنفاق يتخطى 3 تريليونات!. ورغم أن القانون يحدد سقف إقراض المركزي للحكومة بما يعادل 500 مليار، وصل الدين فعليًا إلى 8.2 تريليون ريال – أكثر من 16 ضعف الحد القانوني. هكذا تحوّل البنك المركزي من سلطة نقدية مستقلة إلى خزينة طوارئ مفتوحة بلا قيود".
مؤكدا أنه "حين أصبحت الخزائن شبه فارغة، والسيولة في السوق شبه معدومة؛ أصدر البنك المركزي تعميمًا بتحصيل الإيرادات بالعملة الصعبة بدلًا من الريال. ولم يتردد في دعوة النائب العام والجهات الرقابية لفتح الخزائن والتأكد بنفسهم: لا أموال مخفية، ولا سيولة سرية. هنا يتجسد المشهد: بنك مركزي مكشوف تمامًا، وحكومة تنفق بلا تغطية أو اعتبار للعواقب".
وأوضح الفودعي، أن "الخلاف بين البنك المركزي ووزارة المالية لم يكن يومًا صراعًا شخصيًا على النفوذ؛ بل هو معركة حول مبدأ جوهري: استقلالية البنك المركزي. عندما يُختزل الأمر في تجاذب بين مسؤولين، تُطمس الحقيقة: ما يجري هو خلل بنيوي في إدارة موارد الدولة، ترك البنك المركزي وحيدًا في مواجهة أزمة مالية واقتصادية تتجاوز قدرته".
منوها في تحليله المالي والمصرفي المنشور في سلسلة تدوينات، الى أنه "حتى المنح الخارجية لم تسلم من الفوضى. حين قدّمت السعودية منحة لتخفيف الأزمة، طالب المركزي بإدارتها فنيًا لضمان سرعة وفاعلية الصرف. لكن وزارة المالية رفضت وأبقت السيطرة بيدها، فتأخرت الرواتب وازدادت معاناة الناس، لتتجدد أزمة الثقة".
وقال: إن "المجتمع الدولي أوضح موقفه بلا لبس: لن يكون هناك أي دعم مالي جديد ما لم تُنفذ إصلاحات جوهرية. إعادة الانتظام للموازنة، توريد الإيرادات للبنك المركزي، إصلاح الجمارك والكهرباء،.. هذه ليست إملاءات، بل شروط بديهية لضمان استقرار أي اقتصاد. تجاهلها لم يحرم اليمن من الدعم فقط، بل ترك البنك المركزي يواجه وحده التزامات دولة عاجزة وخزائن فارغة".
مضيفا: "الأزمة لم تبقَ حبيسة الأرقام والمؤسسات؛ بل انعكست مباشرة على حياة الناس: تأخرت الرواتب، انهارت الخدمات، وارتفعت أسعار الغذاء والدواء، فيما استنزفت الحكومة ووزارة المالية موارد الدولة في غير موضعها. وهكذا وجد اليمنيون أنفسهم بين غياب الدخل وتضخم يلتهم ما تبقى من قدرتهم الشرائية، لتتحول الأزمة المالية إلى عبء اجتماعي خانق يهدد السلم المجتمعي".
وشدد على أن "استقلالية البنوك المركزية مبدأ عالمي راسخ لحمايته من تغول المالية العامة. لكن في اليمن، جرى تسييس البنك المركزي وتحويله إلى خزينة فرعية تحت يد وزارة المالية. هذا التغوّل لا يهدد السياسة النقدية فحسب، بل يقوّض الثقة في الدولة نفسها. حين يفقد البنك استقلاليته، تفقد العملة استقرارها، ويصبح الاقتصاد كله رهينة للفوضى المالية والقرارات السياسية قصيرة النظر".
مختتما تحليله المالي والمصرفي للازمة الراهنة، بقوله: "وعليه؛ فإن الصراع بين البنك المركزي ووزارة المالية (أو رئيس الحكومة) ليس إداريًا عابرًا، بل مسألة بقاء لمؤسسة يُفترض أنها صمّام أمان الاقتصاد. استمرار تهميش المركزي يعني ببساطة انهيار آخر أدوات الاستقرار. أما استعادة استقلاليته فهي الشرط الأول لأي إصلاح اقتصادي حقيقي، والأساس الذي تُبنى عليه بقية المعالجات".
وفي وقت سابق، كشف الخبير البارز في الرقابة المالية والمصرفية، وحيد الفودعي، في تحليل اقتصادي جديد، نشره على حائطه الرسمي بمنصة "فيس بوك"، منتصف ليل الاثنين (8 سبتمبر)، عن أن تعذر صرف العملات الى الريال اليمني وتأخر صرف رواتب الموظفين في عدن، يرجع إلى أن خزينة البنك المركزي اليمني "شبه فارغة".
تفاصيل: خزينة البنك المركزي فارغة (وثيقة)
سبق هذا، انكشاف خفايا صادمة وصفت بأخطر اسرار سعر صرف العملة الوطنية وأن تحسنه مؤخرا "تحسسن اسمي" امام العملات الاجنبية، واقترابه من 1700 ريالا مقابل الدولار الامريكي بعدما كان تجاوز نهاية يوليو 2025م، سقف 2900 ريالا مقابل الدولار و760 ريالا مقابل الريال السعودي، جراء احتداد المضاربة بالعملة.
تفاصيل: كشف اخطر اسرار سعر الصرف!
والسبت (6 سبتمبر) اصدر النائب العام للجمهورية، قرارا بشأن شركات الصرافة والتحويلات المالية، المتمردة والمحتجة على قرارات قيادة البنك المركزي اليمني، في العاصمة المؤقتة عدن، لتثبيت التحسن النسبي لسعر صرف العملة اليمنية مقابل العملات الاجنبية، قضى بمنح البنك المركزي اليمني صلاحيات تعزز موقفه.
تفاصيل: قرار للنائب العام بشأن الصرافين (وثيقة)
يأتي هذا في وقت يواجه البنك المركزي اليمني في عدن حملة تحريض واسعة من شركات الصرافة والتحويلات المالية، و"جمعية الصرافين الجنوبيين" الموالية لـ "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وصفها مراقبون "حرب شعواء، تسعى إلى الاطاحة بقيادة البنك، على خلفية اجراءاته ضد المخالفين لضوابط تنظيم عمل الصرافة والتحويل المالي.
تفاصيل: الاطاحة بقيادة البنك المركزي بعدن
وتتابع هذه التطورات بعدما بدأ البنك المركزي في عدن، الاحد (31 اغسطس)، اجراءات غير مسبوقة، عقب تعرض المواطنين لأكبر عملية نهب لمدخراتهم وسلبهم مليارات الريالات، عبر حيلة خفض جماعي مؤقت لسعر الريال السعودي الى 205 ريالات، دعت آلاف المواطنين الى المسارعة ببيع ما لديهم من الريال السعودي.
تفاصيل: المركزي يصادر اموال "ناهبي المواطنين"
جاءت اجراءات البنك عقب اسبوع إصدار ما يسمى "نقابة الصرافين الجنوبيين" التابعة لمليشيا "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعومة من الامارات؛ بيانا خطيرا هاجم البنك المركزي اليمني وإجراءاته الإصلاحية في القطاع المصرفي، واتهمها بالتمييز ومنح امتيازات غير مبررة لبعض البنوك والشركات على حساب الآخرين.
تفاصيل: اعلان خطير بشأن سعر صرف العملة
وشهد سعر صرف الريال اليمني في المحافظات المحررة مع بداية اغسطس 2025م، تحسنا نسبيا ليقترب من 1700 ريال مقابل الدولار بعدما تجاوز 2900 ريالا، و500 ريالا مقابل الريال السعودي بعدما كان 750 ريالا. إثر الغاء البنك المركزي تراخيص شركات صرافة بالتزامن مع لقاء وزارة الخزانة الامريكية مع مسؤولي البنوك اليمنية.
تفاصيل: قرار عاجل بشأن سعر الصرف اليوم
كما أصدر البنك المركزي في عدن، الاثنين (4 اغسطس)، تعميما لشركات الصرافة والتحويلات المالية بـ "تخفيض الحد الأقصى للحوالات الشخصية الخارجية عبر شركات ومنشآت الصرافة إلى مبلغ لا يتجاوز 2000 دولار أميركي فقط، أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى". بعد يوم على تحديد البنك "سقف الحولات بمبلغ 5000 دولار".
تفاصيل: المركزي يصدر قرارا عاجلا ومفاجئا
وجاءت قرارات البنك المركزي في عدن، بعدما كشف محافظ البنك، احمد المعبقي، الجمعة (25 يوليو) ما وُصف بـ "اعترافات قاسية"، في لقاء صحفي تضمن اعلانه حقيقة اسباب تدهور الاوضاع الاقتصادية والخدمية والمعيشية في عدن والمحافظات المحررة، ذكر بين ابرزها "نهب 75% من ايرادات الدولة، وافتقاد الحكومة لموازنة، ونفوذ شركات صرافة".
تفاصيل: رسميا..الكشف عن جرعة سعرية قاتلة!
لكن مصرفيين واقتصاديين، حذروا في تعليقهم على التحسن النسبي لسعر الريال من "ارتدادات عكسية خطيرة متوقعة" للتحسن السريع الذي شهدته قيمة الريال اليمني في عدن والمحافظات المحررة، وقالوا: إنه "لا يستند الى اصلاحات جوهرية في السياسة المالية والموارد الاقتصادية، تؤمن العملة الصعبة، بقدر ما يستند الى قرار سياسي لمواجهة السخط".
وتتابعت هذه التطورات مع تصاعد السخط الشعبي في المحافظات المحررة على نحو يتجاوز التظاهرات الاحتجاجية الى مظاهر غضب وقطع للطرقات ودعوات للعصيان، تنذر بخروج الامر عن السيطرة، جراء تدهور الخدمات وغلاء المعيشة بفعل انهيار سعر الريال اليمني إلى 2900 ريال للدولار و750 ريال مقابل الريال السعودي.
تطالب احتجاجات المواطنين المتصاعدة في عدن المحافظات المحررة، السلطات "القيام بواجباتها وتنفيذ حلول سريعة ونهائية لأزمة الكهرباء، وتحسين الخدمات العامة الاساسية وفي مقدمها الكهرباء والمياه والتعليم والصحة، ووضع حل لتأخر صرف الرواتب وارتفاع اسعار السلع وغلاء المعيشة جراء انهيار قيمة الريال".
كما تطالب هتافات ولافتات وبيانات وقفات ومسيرات الاحتجاجات بـ "تقديم الفاسدين لمحاكمات علنية". وتشدد على ان تدهور الاوضاع ناتج عن "الفساد وحماية شركاء السلطة للمفسدين". متهمة التحالف بقيادة السعودية والامارات ومجلس القيادة الرئاسي والحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي بأنهم "شركاء في تدهور الاوضاع والخدمات".
وترافق تصاعد الاحتجاجات وتصاعد ساعات انقطاعات الكهرباء إلى 20 ساعة بالعاصمة المؤقتة عدن ومحافظة لحج، مع بدء دخول الصيف اللاهب، واستمرار ارتفاع اسعار السلع والخدمات والوقود، وتوقف التعليم لاضراب المعلمين، وتفاقم تدهور الاوضاع المعيشية للمواطنين، بفعل محدودية الراتب وعدم اعتماد العلاوات السنوية.
كما يتزامن التدهور المتصاعد للأوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة، مع بوادر أزمة عجز الحكومة الشرعية عن دفع رواتب موظفي الدولة في عدن والمحافظات المحررة، بعد تأخر صرف رواتب المعلمين والعسكريين والحوافز والعلاوات، في ظل نُذر امتداد الازمة لرواتب الاشهر المقبلة.
من جانبهم، يشير سياسيون واقتصاديون إلى أن تفاقم تدهور الاوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات الجنوبية سابق لتوقف تصدير النفط، ويرجعونه الى "اتساع الاختلالات في المالية العامة للحكومة وصرف رواتب كبار موظفيها بالعملة الصعبة بجانب تبادل شركاء السلطة، اتهامات الفساد". حسب تعبيرهم.
ويتهم "المجلس الانتقالي الجنوبي" التابع الى الامارات، وسياسييوه، الحكومة بـ "صفقات فساد تتجاوز عدم ايداع ايرادات الدولة في البنك المركزي اليمني، ونهب المساعدات والمنح المالية وانشاء شركات استثمارية خاصة خارج البلاد، بجانب المضاربة على العملة، وتعطيل مصافي عدن وغيرها من المنشآت الايرادية". حد زعمه.
في المقابل، يتهم مسؤولون في الحكومة اليمنية الشرعية "الانتقالي الجنوبي" بأنه "يعيق عمل الحكومة بإصراره على استمرار انتشار ونفوذ فصائل مليشياته المسلحة المتعددة" منذ انقلابه على الشرعية في اغسطس 2019م، بتمويل ودعم عسكري مباشر من الامارات وطيرانها الحربي، و"استحواذه على معظم الايرادات العاامة للدولة".
مؤكدين في تصريحات متلاحقة، أن "استمرار تمرد ‘الانتقالي الجنوبي‘ على الشرعية واستحواذه على قدر كبير من الايرادات العامة للدولة، في عدن وعدد من مدن جنوبي البلاد، فاقم تدهور الاوضاع الاقتصادية والادارية والخدمية وانهيار العملة المحلية وارتفاع اسعار السلع والخدمات والمشتقات النفطية والعجز عن دفع رواتب الموظفين".
يشار إلى أن الامارات تراهن على "المجلس الانتقالي الجنوبي" وتمويلها تجنيد وتسليح الوية مليشياته المسلحة ومليشيات "العمالقة الجنوبية"، في فرض انفصال جنوب اليمن، لتمرير أجندة اطماعها في موقع اليمن وسواحله وجزره وثرواته، ضمن سعيها لفرض نفوذها السياسي والاقتصادي على دول المنطقة، عبر هيمنتها على خطوط الملاحة الدولية